إن الدستور هو القانون الأعلى للبلاد، وهو الوثيقة التي تحدد شكل الدولة ونظامها السياسي والاقتصادي، ومؤسسات الدولة وسلطاتها وطبيعة العلاقة بينها، وصلاحيات مؤسسة الرئاسة والحكومة والمجلس النيابي والسلطة القضائية، وواجبات كل منها، وكيفية اختيارها، وطريقة محاسبتها، وكذلك حقوق أفراد الشعب، وكيفية تنظيم العلاقة بين الشعب ومؤسسات الحكم.. إلى آخر القواعد الأساسية التى يتضمنها الدستور.
ونظرًا لخطورة هذه الوثيقة فقد شُرع لصياغتها أسلوب محدد؛ حيث تُنتخب هيئة تأسيسية تتولى الاستماع لمختلف طوائف الشعب حتى يأتى الدستور بالتوافق بينها، ثم تتولى هذه الهيئة صياغته، ثم يعرض للاستفتاء على جميع أفراد الشعب ممن لهم حق التصويت، وبذلك يكون الشعب هو الذي منح نفسه وثيقة الدستور.
ولقد حددت المادة (60) من الإعلان الدستوري هذه الإجراءات في نص محكم، بعد أن تم استفتاء الشعب على هذه المواد، وحصلت على موافقة 77% من أصوات الناخبين، وهذا الإعلان الدستوري أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة نزولاً على إرادة الشعب.
والآن نرى محاولات عديدة للالتفاف على نتائج هذا الاستفتاء، وافتئاتًا ومصادرةً لحق اللجنة التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور، قبل أن تتكون، بل قبل أن يُنتخب مجلسا الشعب والشورى المنوط بهما انتخابها؛ وهو أمر منكر لأنه إجراء غير دستورى، إضافةً إلى أنه غير ديمقراطي حيث لا يحترم إرادة الغالبية العظمى من الشعب التي وافقت على التعديلات الدستورية.
وإذا كانت محاولات الالتفاف هذه مرفوضة إذا صدرت من بعض الذين لا يفهمون القانون ولا يوقرون إرادة الشعب، فإنها تكون أشد رفضًا إذا صدرت من نائب رئيس الوزراء وأستاذ القانون الدستوري، خصوصًا وأنه كان في منصبه إبان إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والغريب أنه وغيره يسعون لتشكيل لجنة للحوار حول كتابة الدستور، وهو أمر ليس من صلاحيتهم جميعًا كما أسلفنا، وفي ذات الوقت تصدر القوانين مثل قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية دون أي حوار، رغم ضرورة إجراء حوار مجتمعي واسع قبل إصدارها.
ولعل ما حدث في ميدان التحرير أمس من رفض الجماهير الالتفاف على إرادتهم وعدم احترام النصوص الدستورية في هذا الشأن، ومطالبتهم بإقالة الدكتور يحيى الجمل المتزعم للخروج على الدستور، يدل على يقظة الجماهير لحقوقها وتمسكها بإرادتها، ورفضها لبوادر الاستبداد والديكتاتورية اللذين عانينا منهما الويلات في السابق.
كما أننا نرفض الدعوات إلى تأجيل إجراءات نقل السلطة للشعب المحددة بجدول زمني حدده الإعلان الدستوري، والتي تصدر من أصوات غريبة تصر على فرض رأيها رغم رفض غالبية الشعب لهذا الرأي في الاستفتاء السابق، وندعوهم للالتزام بالديمقراطية التي كانوا ينادون بها ليل نهار كي تكون السياسة ملتزمة بالقيم والمبادئ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
الإخوان المسلمون
القاهرة في: 11 من جمادى الآخرة 1432هـ الموافق 14 من مايو 2011م