والله ما كنا فى الجاهلية نعد النساء شيئاً حتى أنزل الله لهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم".
هذه العبارة وصف دقيق من عمر بن الخطاب رضى الله عنه لموقف المرأة قبل الإسلام، ولقد انطلق النداء بتكريم المرأة من قلب الجزيرة العربية حينما أذن الله برفع الأغلال والقيود عن الإنسان، واجتث جذور الجاهلية وجورها على المرأة فأعطاها المكانة اللائقة بها، وصان حقوقها، ورسخ واجباتها، يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ سورة البقرة الآية 228 ، وفى الحديث: "النساء شقائق الرجال" رواه أبو داود.
ويعلن القرآن التسوية بين الرجل والمرأة فى التكاليف العامة فيقول: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ سورة النحل الآية 97، ويقول: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ سورة النساء الآية 124.
في هذا الوقت الذى أعلن القرآن فيه هذه الحقائق وفى نفس العصر "انعقد فى أوروبا مجمع ما كون 586م ليبحث فيه شأن المرأة، وكان السؤال المطروح: هل المرأة إنسان؟
وصدرت القرارات: أن المرأة ليس إلا خادمة للرجل ؟[1].
بينما الآيتان في سورة النحل والنساء التى ذكرناهما "نص صريح وضعه الإسلام على وحدة القاعدة فى معاملة شِقَي النفس الواحدة – من ذكر وأنثى – كما هما نص صريح فى اشتراط الإيمان بقبول العمل، ونص صريح أيضاً على التسوية بين شقى النفس الواحدة فى موقفهما من العمل والجزاء.
يقول الحق سبحانه ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾ سورة آل عمران الآية 195.
لقد قرن الإسلام بين الرجل والمرأة وخاطبهما خطاباً واحداً، وكلفهما تكليفاً واحداً ووعدهما معاً إن أحسنا بجزاء واحد، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ سورة الأحزاب الآية 35.
يقول صاحب الظلال: "وتذكر المرأة فى الآية بجانب الرجل كطرف من عمل الإسلام فى رفع قيمة المرأة وترقية النظرة إليها فى المجتمع، واعطائها مكانها إلى جانب الرجل فيما هما فيه سواء من العلاقة بالله، ومن تكاليف هذه العقيدة فى التطهر والعبادة والسلوك القويم فى الحياة"[2].
ومن هنا بدأت شخصية المرأة تأخذ دورها فى المجتمع فهى زوجة وربة بيت، وصانعة رجال فى المقام الأول، وهى حاضرة لمجلس النبى صلى الله عليه وسلم وهى مشاركة فى الحرب تسقى العطشى، وتداوى وترعى الجرحى، وتشترك فى القتال إذا حمى الوطيس، وهى مهاجرة وحافظة للقرآن ورواية للحديث، وهى شاعرة ومصلية فى المسجد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعد لها فى مجالسه وفى الصلاة مكاناً خاصاً بها.
يقول إدوارد جبيون: "إن الشجاعة التى أعربت عنها المرأة المسلمة فى موقعة اليرموك وفى غضون حصار دمشق لأعظم مما يتناوله التقدير، ووصف المؤرخون بطولات خولة بنت الأزور الكندى والخنساء التى استشهد أولادها الثلاثة فى موقعة واحدة فاستقبلت استشهادهن بإيمان صادق، بينما كان لها موقفها العاصف فى الجاهلية عندما مات أخوها صخر"[3].
وكما غير الإسلام مفهوم المرأة الإنسانى فى أمر الحياة والأسرة والمجتمع، فقد أعطى الإسلام المرأة حريتها الفكرية حتى استطاعت امرأة أن تواجه عمر وتعارضه فى المسجد حين دعا إلى تحديد المهور فقالت له: ما يحل لك هذا والله تعالى يقول: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ سورة النساء الآية 20، وأجاب عمر فى صراحته المعهودة أصابت امرأة وأخطأ عمر، وبمثل هذه المسلمة التى عرفت واجباتها ومثيلاتها انتصر الإسلام وساد ووجد الجيل الكريم والرعيل الأول.
والآن ننظر سوياً: كيف انتصر الإسلام؟
انتصر الإسلام وساد يوم أن وجدت الأم المسلمة التى أوجدت البيت المسلم وصنعت من الخامات البشرية صوراً حية للإيمان الصادق، تأكل الطعام وتمشى فى الأسواق وتقوم بها الحجة على الناس وانتصر الإسلام يوم أن صاغت الأم المسلمة من الجيل الأول قرآناً حياً يسير على ظهر الأرض، يراه الناس فيرون مصداقية هذا الدين.
إن النصوص وحدها لا تكفى، وإن المصحف وحده لا يعمل حتى يتمثل فى رجل مؤمن رجل عقيدة وامرأة مؤمنة تؤمن بالإسلام ودوره العظيم فى هذه الحياة، وتربط حاضرها ومستقبلها بما آمنت به.
"لقد انتصر محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يوم صاغ من فكرة الإسلام شخوصاً، وحول إيمانهم بالإسلام عملاً، وطبع من المصحف عشرات من النسخ ثم مئات وألوفاً، ولكنه لم يطبعها بالمداد على صحائف الورق إنما طبعها بالنور على صحائف القلوب، وأطلقها تعامل الناس، وتأخذ منهم وتعطى، وتقول بالفعل والعمل ما هو الإسلام"([4]).
وحينئذ ستقدم لنا المسلمة النموذج المنشود، وهو ثمرة تربية جادة، أدركت أن المبادئ بمفردها لا تعيش حتى تكون سلوكاً عملياً مهتدياً بهدى الإسلام.
ولذلك علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الهدف الحقيقى للمرأة أولاً هو صناعة الرجال لا إلقاء الخطب والمواعظ والدروس، فهذا أمر فى المرتبة الثانية.
إذن وظيفة المرأة ودورها الخطير فى داخل الأسرة، فى مملكتها الكبرى البيت، هذا المكان الآمن الذى يجمع الكل، فيه الراحة بعد التعب وفيه السكون بعد الإجهاد وإن كل متاعب الحياة لتزول فى البيت المنتظم السعيد، وإن آلام وجراح الرجل والأحداث التى يلقاها طوال النهار لتمر عليها يد المواساة الرحيمة فى البيت المسلم فتذهب آثارها، وتنسى بمجرد رؤية الزوج لأهله وأولاده، فمملكة البيت أساس كل مٌلك ودعامة كل مجتمع.
أختى المسلمة:
احذرى النداءات المريضة والمغرضة من أشباه الرجال أعداء المرأة فى الحقيقة، الذين يدعون ليل نهار إلى خروج المرأة للعمل على اطلاقه سواء أكان لعذر أم لغير عذر؟ وسواء أكان مناسباً للمرأة أم غير مناسب؟
إنها دعوة ضد البيت الآمن والاستقرار والتربية، وهى دعوة ثبت فشلها، وعرض المرأة لدفع الثمن من راحتها واستقرارها وأفقدها رأس مالها، كما عرض كرامتها للامتهان.
فالرجل الذى يدعو لعمل المرأة بإطلاقه، ويدعو لتحمل تبعات الحياة فى خارج بيتها، حليف للشيطان، والمرأة التى تصدق ذلك وتستجيب له عدوة لنفسها ومنساقة وراء الأهواء.
الأخت المسلمة: كرامتها فى صيانة نفسها، وعزتها فى طاعتها لربها، ومكانها اللائق بها والذى خلقت من أجله هو بيتها وزوجها وأولادها.
ومنصبها خطير جليل: تربية الأبناء وتكوين الرجال، قال الله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴾ سورة الأحزاب الآية 33.
اقرئي هذه القصة وتأمليها جيداً لتعلمى ماذا تفعل المسلمة مع أولادها:
روى التاريخ أن الفضل بن زيد رأى شاباً مسلماً فأعجب به فسأل أمه عنه فقالت: إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب، فحفظ القرآن فتلاه، وعلمه الشعر فرواه، ورغب فى مفاخر قومه، ولقن مآثر آبائه وأجداده، فلما بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل، فتمرس وتفرس، ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحى، وأصغى إلى صوت الصارخ" والصارخ منادى الجهاد[5].
صورة البيت المسلم
1- الزواج مؤسسة اجتماعية لها أواصر وروابط، على أساسها تقوم سعادة البيت، والمستشارون فى هذه المؤسسة هم: أعضاء الأسرة، عمادها الزوج، وأمين السر المخلص الغيور هو الزوجة فهى صاحبة السلطان بحكم منصبها فى البيت، سلطان المسئولية لا القهر والاستبداد، وقد استشار النبى صلى الله عليه وسلم أم سلمة فى الحديبية.
2- الزوجة الحكيمة فعلاً: هى التى تنصر الرجل على نفسه فتذكره بالله دائماً لاستمرار نجاح المؤسسة، كما كانت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، يقلن لأزواجهن عند الخروج من البيت "بالله عليكم لا تدخل علينا حراماً، واتق الله فينا".
3- البيت المسلم بيت يعرف الله ورسوله ويحبهما :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ ﴾ سورة البقرة الآية 165، ومن أحب شيئاً ذكره وتعلق به، ففيه صلاة وقنوت ودعاء وفيه قرآن يتلى، وفيه حديث يحفظ، كما جاء فى الأثر "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين" وقالت النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً، لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن" رواه البخاري .
4- البيت المسلم من سماته الأصيلة أنه يرد أمره إلى الله ورسوله عند كل خلاف، وفى أى أمر مهما كان صغيراً، وكل من فيه يرضى ويسلم بحكم الله :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ﴾ سورة الأحزاب الآية 35 ، 36، ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ سورة النور الآية 51.
5- الزوجة المسلمة: هى التى تحذر شيطان الإنس فإنه أشد خطراً على النفس من شيطان الجن، ويجب أن تتنزه المسلمة على السفاسف وترتفع فوق الدنايا وتضع فى اعتبارها أن الخطأ فوق أنه يضر بصاحبه فإنه يعم فوق ذلك على كل الملتزمات وهذا ما لا نرضاه لأنفسنا، ولا يفوتك أن تذكرى دائماً أن هناك من يرصد الهفوات ويتصيد الأخطاء لا من أجل تصويبها وإنما من أجل النيل منك ومن أخواتك، يجب أن تحذرى فى كل تصرف يصدر عنك، وأن تتجنبى مواطن الشبهات، ووزن أى أمر قبل الإقدام عليه بميزان الإسلام الدقيق، والالتزام بالإسلام لا يتحقق إلا بتطبيق كل جوانبه دون نقص، والإسلام كل لا يتجزأ "خذوا الإسلام جملة أو دعوه".
والإسلام بنيان متكامل فترك أى ركن منه يسقط باقى الأركان، ولذلك تفتن من تفتن وتهوى من تهوى وتضل من تضل، أما المسلمة صاحبة الإرادة القوية الصلبة والوعى الصحيح فتبقى ثابتة ملتزمة بالسمت الإسلامى وحسن الخلق وحسن المعاملة ولا تفسح المجال أبداً لأعداء الإسلام بتشويه وجهه المضيء.
6- البيت المسلم يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى التعاون فى تقسيم العمل، فقد كان صلى الله عليه وسلم يساعد أمهات المؤمنين فى خدمة البيت وقضاء حاجاته، وقد سئلت السيدة عائشة رضى الله عنها: ماذا كان يصنع الرسول فى البيت؟ فقالت: "كما يصنع أحدكم، يشيل هذا ويحط هذا ويخدم فى مهنة أهله"، وفى رواية: "يخدم فى مهنة أهله، ويقطع لهم اللحم، ويقم البيت – أي يكنسه – ويعين الخادم فى مهنته" وفى رواية: "كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل فى بيته كما يعمل أحدكم فى بيته" رواه أحمد فى المسند ، ولقد اقتدى به الصحابة رضوان الله عليهم فكان الإمام على رضى الله عنه يوزع العمل بين أمه وزوجته، فيقول لأمه اكفى فاطمة سقاية الماء والذهاب فى الحاجة، وهى تكفيك الداخل الطحين العجين.
7- البيت المسلم لا يجرى وراء فتنة الموضة والتبرج والانحلال والاختلاط وتقليد غير المسلمين فلقد حذرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لسلكتموه قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟؟" رواه البخاري ومسلم ، ولتعلم المسلمة أن الذى يدعوها إلى جحر الضب الخرب ويزينه لها واحد من أربعة:
1- مراهق لا يفكر إلا في أهوائه الجنسية، فهو شيطان يزعم الإصلاح وهو المفسد الحقيقى ﴿ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ سورة البقرة: الآية220.
2- وكاتب يريد أن يتملق المرأة ويرضيها، ويتقرب إلى المراهقات ليشتهر ويبيع كتابه ويثرى من وراء هذا ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ سورة الحج الآية 11.
3- وسياسي يهمه كسب أصوات الناخبين والناخبات يبيع دينه إن كان له دين بثمن بخس وسيبوء بكل سيئة يفعلها وعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
4- وطاغية مستكبر على الله يتقرب إلى أعداء الله بإظهار أنه مجدد يكره التعصب للدين والأخلاق، وينادى بالتحرر والانطاق، وكأن طاعة الله عز وجل أصبحت تساوى الجمود والتعصب، ففى بعض البلاد الإفريقية مر بعضهم وكان زائراً على طلاب مدرسة فوجد الأولاد يتناولون طعامهم بمفردهم، والفتيات فى مكان آخر، فغضب وقال هذا عمل رجعى ومظهر تخلف، ولابد من الاختلاط والجمع بينهما، وسارع المشرفون إلى تنفيذ الأمر فجمعوا الأولاد مع البنات، ولما رأى ذلك انبسطت أساريره وقال هذا عمل تقدمى حضارى اشتراكي!!
8- البيت المسلم له موقف محدد من تارك الصلاة، والطفل الذى يفتح عينيه فيجد كل من حوله يصلى سيسير بلا شك فى هذا الطريق ويعتاد هذا الأمر، ولذلك فمن الضرورى ألا يسمح لأحد فى البيت مهما كان يترك الصلاة أو التهاون فيها.
سمع شاب فى المدرسة من أستاذه "أن تارك الصلاة ملعون" وحين عاد إلى البيت قرر ألا يأكل مع والده لأنه لا يصلى، وعند الطعام نودى عليه فقال: لا أذوق طعاماً لأنكم عصاة لله والله أمرنا أن نقاطع أهل المعصية.
وشاء الله عز وجل أن يشرح صدر والده فقال: يا بنى أنت على حق، وما قلته هو الصواب، وأمر برفع الطعام ثم قام وتوضأ وصلى الظهر وعاهد الله ألا يترك الصلاة أبداً، وهكذا استطاع الابن أن يرد والده إلى طاعة الله.
9- البيت المسلم بابه مفتوح للتوجيه وهو مكان للهداية، وتقديم العون والخير للجميع، فهو بيت لا يعيش لمن بداخله فقط، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه، ولذلك فالبيت المسلم لا ينعزل عن المجتمع، بل هو مفتوح يحل مشاكل الآخرين ويعطف عليهم وييسر الأمور، وهو بيت يحبه الجميع لأن كل من فيه متواضع لا يعرف التكبر ولا الخيلاء لأن الله عز وجل لا يحب كل مختال فخور، بيت فيه تقوى وخشية لله فيه ورع وعفة كل من فيه يخشى الحرام، ويبعد عن الشبهات.
10- الزوج فى هذا البيت: كل من فيه يرتاح إليه ويجد الحرية فى الكلام معه ولن يتأتى هذا إلا إذا كان من ألين الناس وأكرم الناس، تصف أم المؤمنين عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه كان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضاحكاً بساماً، وما ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد فى سبيل الله.
حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع المؤمنات فى بيته من نساء قريش يكلمنه بأصوات عالية، فلما استأذن عمر ودخل، دخلت النساء واحتجبت، فضحك النبى صلى الله عليه وسلم فقال له عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال: "ضحكت من هؤلاء اللاتي كن عندى فلما سمعن صوتك بادرن بالحجاب، فقال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك".
وكان صلى الله عليه وسلم يقبل مراجعة أمهات المؤمنين ولا يغضب، يقول عمر: صحت على امرأتى فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: لم تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ليراجعنه.
وروى ابن سعد "أن سبعين امرأة اشتكين إلى رسول الله من ضرب رجالهن، فغضب وقال: إنه لا يحب أن يرى ذلك أبداً، وقال يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد، ثم يظل يعانقها ولا يستحى"، وكان صلى الله عليه وسلم يلتقى مع أمهات المؤمنين كل ليلة فى البيت الذى سيبيت فيه، وأحياناً يتناولن العشاء مع رسول الله، ثم يتحدثن بعض الوقت ثم تنصرف كل واحدة إلى بيتها.. هذا هو البيت المسلم.. فأين نحن من هؤلاء؟
11- قضية أخرى هامة وضرورية سبق الحديث عنها لكنا نؤكدها لضرورتها وهى تدور حول البيت المسلم فجرتها أسماء بنت يزيد الأنصارية، حين حددت أمام النبى صلى الله عليه وسلم ما امتاز به الرجال على النساء: 1- الجماعات. 2- وشهود الجنائز. 3- والجهاد. فرد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: "انصرفى يا أسماء وأعلمى من وراءك من النساء أن حسن تبعل احداكن لزوجها وطلبها لمرضاته واتباعها لموافقته يعدل كل ما ذكرت للرجال".
إذن حسن التبعل للزوج وطلب مرضاته يعدل الجماعات وشهود الجنائز والجهاد.
هذه رسالة الإسلام الخالدة وتقديرها للأسرة ونظرتها للبيت، تحسن المرأة معاملة الزوج فتنال أجر المجاهد وهى فى خدرها، وتنال ثواب الجماعة وهى فى حجرتها، إن الإسلام هنا يربط مصيرها بمصير زوجها ورضاها برضاه، إنه يدخل إلى البيت مثقلاً بهموم قد لقى العنت فى المجتمع خاصة إذا كان من الدعاة إلى الله، فتترك همومها لهمومه، وتوفر له جو الأمن والطمأنينة.
الأخت المسلمة إذن: ليست جارية فى البيت للخدمة، وليست حيواناً للعلف، وليست كماً مهملاً، وطاقة معطلة، كما يحاول أعداء الإسلام أن يصوروها، إنها إنسان سوى لها رسالة وشرفت بحمل عقيدة يوم أن حملتها مع الرجل.
الأخت المسلمة: هى التى تبتغى رضاء زوجها لا التى يبغى رضاها هو، فمن ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة، والأصل فى طاعة الزوج هى طاعة ربك، فإذا تعارضت طاعة زوجك مع طاعة ربك، فاحفظى طاعة ربك.
الأخت المسلمة فى سطور
ترى الأخت المؤمنة أن الحياة الدنيا قصيرة فتجعلها لله، العمر ساعة فيجب أن يقضى فى طاعة، وخير طاعة للمسلمة بعد إيمانها بالله رعاية بيتها وزوجها، وتربية أولادها.
تؤمن المسلمة بأن لكل مخلوق غاية وهدف فى الحياة فاختارت المنزلة العليا وجعلت الله غايتها.
تدرك المسلمة ببصيرتها أن أمتها الإسلامية قد تخلفت كثيراً وتآمر عليها شياطين الإنس والجن، فتعمل دائماً على استرداد مجد أمتها، وإعادة بناء قوتها، وأيقنت أن هذا دورها فأحسنت دائماً صنع الأساس على تقوى من الله ورضوان.
لقد أدركت أن الأساس فى الإسلام هو البيت المسلم فشغلت نفسها بالإعداد والبناء، سعياً وراء تحقيق الأمل المنشود.
المسلمة تدرك اليوم أن المصباح بيدها، ومن حولها ضحايا الغزو الفكرى والتبشير، حيارى تاهوا فى الظلام، فأقبلت عليهم تضىء الطريق وتقدم لهم الدواء وهو الإسلام دين الفطرة.
أدركت المسلمة أن كثرة الكلام والفلسفات بضاعة كاسدة، فابتعدت عن التعقيد، لأن الصورة العملية هى أقرب صورة للدعوة إلى الله.
تعتقد المسلمة اعتقاداً جازماً أنه لا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها كتاب الله وسنة رسوله.
المسلمة الحقة من تحررت من العبودية للموضة، وارتفعت فوق دعاة الاختلاط والتبرج، وتقربت إلى ربها حتى لا ترى فى الوجود غير الله إلها يُعبد، وتحررت من الشهوات حتى لا ترى فى الحياة إلا طاعة الله التى يجب أن تمجد وتعظم، وتحررت من الأباطيل والأضاليل حتى لا ترى فى الدنيا إلا حقاً يقصد.
المسلمة الحقة: من جمعت بين الدين والدنيا، وبين الدنيا والآخرة، فكانت فى الدين عابدة وفى الدنيا مجتهدة، وعملت لنفسها وللناس فكانت لنفسها مرشدة وقائدة، ولغيرها ناصحة وموجهة، وأصلحت بين روحها وجسدها فكانت فى الأرض إنسانة فاضلة وزوجة بارة وأماً مربية وداعية بأخلاقها والتزامها فأثبتت عملياً شمول الإسلام لكل جوانب الإنسان.
المسلمة الحقة هى التى ترى الحياة عملاء وإيماناً، وترى الإيمان حباً وإخاء لأخواتها فى الإسلام، وترى العمل نفعاً وبناءً، وبهذا تملأ الأرض عدلاً وخيراً، وتملأ العقول حكمة وعلماً وتملأ أبناءها رحمة وبراً.
يصفها بعض الدعاة فيقول: "إن المرأة التى تهز مهد الطفل بيمينها، لتهز العالم بيسارها".
المسلمة لها يدان: يد تصافح أهل الحق من بنات جنسها، ويد تكافح أهل الباطل والشر من المقلدات والمغرورات، ولها عينان عين تبصر بالنور، وأخرى تغمض فى الظلام، ولها أذنان تصغى للرشاد، وأخرى تصم عن الفساد، ولها خلقان خلق مع الظالمين يشتد ويحاسب، وخلق مع الناس يلين ويسامح، وتلتزم فى هذا كله بخلق القرآن.
المسلمة الحقة هى من تعلم فلا تجهل، وتعمل للإسلام فلا تيئس، وتحكم فتعدل لا تجور ولا تظلم، وتحسن إلى غيرها فلا تمن ولا تتعالى، وتحدث فلا تكذب، وتعد فلا تخلف، وتؤتمن فلا تخون.
المسلمة الحقة تتعامل مع زوجها فتصدق فى معاملتها، وتخالط بنات جنسها وجاراتها فيسلم الجميع من يدها ولسانها "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه البخاري ومسلم ، وهى من أطيب الناس قلباً، وأيقظهم ضميراً، وأذكاهم نفساً، وأتقاهم يدا، واكثرهم علماً، وأصدقهم نصحاً، وأخشاهم لله عقوبة وحساباً، وأرغبهم فى الله جنة وثواباً، هذه بعض ملامح المسلمة التى نريد وبأمثالها ينتصر الإسلام ويسود وتعلو رايته، إن مسئولية المسلمة تجاه نفسها وبيتها وزوجها أكبر من مسئوليتها تجاه الآخرين، لأن الواجب عليها أن تكون قدوة حسنة لمن حولها، تبدو فى جوانب حياتها مظاهر الإيمان، وترتسم فى خطواتها مبادئ الإسلام، حتى يشعر الآخرون من حولها بالصدق والإخلاص وبالوجود الحى لها الدين فى حياتنا، وذلك بالتطبيق العملى الدقيق الذى يكون كالمرآة العاكسة لقيم الإسلام وسلوكياته. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل